جمهورية الكونغو الديمقراطية
هي دولة تقع في وسط إفريقيا، وتعتبر أكبر الدول مساحةً في إفريقيا جنوب الصحراء، وثاني أكبر دولة في القارة الإفريقية بعد الجزائر، وتعد أكبر دولة ناطقة بالفرنسية من حيث عدد السكان، كما أنها ثالث أكثر الدول الإفريقية اكتظاظاً بالسكان بعد نيجيريا وإثيوبيا، وتحوي الغابات المطرية في جمهورية الكونغو الديمقراطية تنوعاً حيويًّا كبيراً، ولم يزل الصيد الجائر للتجارة بالحيوانات الغريبة والعاج مشكلة مستمرة من ناحية خسارة الأنواع في هذه البلاد.
سكن البشر الباحثون عن الطعام المنطقة التي تقع فيها جمهورية الكونغو الديمقراطية قبل آلاف السنين، وتمركزوا حول حوض الكونغو، كما حكمت مملكة الكونغو المنطقةَ المحيطة بمصَب نهر الكونغو من القرن الرابع عشر إلى التاسع عشر، أما في الشمال الشرقي ووسط وشرق الكونغو فقد حكمت ممالك أزاندي ولوبا ولوندا هذه المناطق من القرنين السادس عشر والسابع عشر حتى التاسع عشر.
وقد بدأ الاستكشاف الأوروبي لحوض الكونغو في سبعينيات القرن التاسع عشر قُبيل بدء التدافع على إفريقيا، وكان أول من قاده هو هنري مورتون ستانلي، تحت إشراف ليوبولد الثاني ملك بلجيكا، وقد حاز ليوبولد رسميًّا امتياز استملاك منطقة الكونغو في مؤتمر برلين عام 1885، وجعل الأرض ملكيته الخاصة، وسماها: دولة الكونغو الحرة، وفي أيام الدولة الحرة أجبرت وحداته العسكرية الاستعمارية السكانَ المحليين على إنتاج المطاط، كما مات ملايين الكونغوليين نتيجة للوباء وسوء الاستغلال، وفي عام 1908، تنازل ليوبولد، بعد ممانعة منه، عن الدولة الحرة لبلجيكا، وأصبح اسمها: الكونغو البلجيكية، واستقلت الكونغو عن بلجيكا في 30 يونيو 1960، تحت اسم: جمهورية الكونغو، وقد توالت بعد ذلك الأحداث، واندلعت فيها حربان خلفتا دماراً عامًّا وملايين القتلى، وهناك نزاع مسلح في كيفو - شرق الكونغو - منذ عام 2015.
لم يزل دينُ الإسلام حاضرًا في جمهورية الكونغو منذ القرن الثامن عشر، عندما دخل التجار العرب من شرق إفريقيا إلى الداخل لتجارة العبيد والعاج.
وخلاصة نسبة المسلمين في جمهورية الكونغو اليوم، والتي نشرتها أربعة مصادر مختلفة، هي: 5% أو 2.1% أو 1.5% أو 1.3%، من إجمالي السكان الذين يتجاوز عددهم 86.790.567 نسمة، وقد أشار البعض إلى أنها كانت 20% ثم تناقصت بسبب التنصير. أما النصرانية فهي دين الأغلبية هناك، وقد أشار استطلاع أجري في 2013–2014 إلى أن النصارى يشكلون 93.7% من السكان (الكاثوليك 29.7%، والبروتستانت 26.8%، والنصارى الآخرون 37.2%)، أما ديانة الكيمبانغوية المحلية فيتبعها 2.8% من السكان. وترتكز الكنيسة الكاثوليكية في عملها التنصيري على الخدمات التي تقدمها في مجالات الصحة والتعليم والإغاثة، إضافة إلى إنشاء المراكز التنصيرية؛ حيث تمتلك آلاف المدارس والمستشفيات، والعديد من الجامعات وكليات اللاهوت، كما تمتلك المراكز الصحية وملاجئ العجزة والمعوقين، ومعسكرات مرض الجذام، والمنظمات الشبابية، ودُور المرأة، والمعاهد الفنية، ومعسكرات ومراكز التدريب. في القرنِ الثامنَ عَشَرَ قَدِم المسلمون إلى دولة الكونغو، التي تقع في المنطقة الوسطى، والتي تقع في منطقة صعبة جغرافيًّا، فيصعب الوصول إليها. ويتركَّز وجود المسلمين في الجزء الشرقي من الكونغو، ويمثِّلون ما نسبتُه حوالي 10-15 % من مجموع سكان البلاد، الذين غالبيتُهم هم من السكان الأصليين الذين ينتمون إلى الديانة المسيحية، إضافةً إلى 10% منهم يعتنقون ديانات محلية متفرِّقة. ودخل الإسلام إلى الكونغو عن طريق التجَّار الذين كانوا يقصدون تنزانيا على امتداد الشواطئ الرملية لأفريقيا، مرورًا بأراضي الكونغو الديمقراطية الحالية في القرنِ الثامنَ عَشَرَ، فقد مهَّدوا لانتشار الإسلام من خلال معاملاتهم التجارية وعلاقتهم بسكان المنطقة المحليين.
ولم يستطع المسلمون في الكونغو أن يُظهروا وجودهم إلا في القرن العشرين؛ لأن الكونغو كانت مستعمَرةً لبلجيكا في القرنِ التاسعَ عَشَرَ، وكان الاستعمار البلجيكيُّ يمنع المسلمين من أداء عباداتهم، وقاموا أيضًا بطرد أطفالهم من المدارس، وأجبروهم على أكل لحم الخنزير، وتناول الطعام في نهار رمضان. وكشف المسلمون عن وجودهم في البلاد في القرن العشرين بعد بَدء انتشار المنظَّمات غير الحكومية، ومدارس تعليم القرآن الكريم؛ إلا أن النظام التعليميَّ في الكونغو كان تحت سيطرة القوى المسيحية الاستعمارية التي عملت على إبعاد المسلمين من الحياة الاجتماعية.
وبعد استقلال الكونغو في عام 1960، تم فرض المزيد من الضغوط والتمييز على المسلمين بدلاً من تسهيل أمورهم، وتعذَّر تحقيق الاستقرار في تلك الفترة، حيث تتابعت الحروب الأهلية والانقلابات العسكرية، وأَوْدت هذه الأزمات بحياة الملايين من البشر، وأدَّت إلى زيادة تهميش الأقلية المسلمة في المناطق التي يعيشون فيها. وعندما رفض حكام البلاد – التي كانت تسمى بـ "زائير" حينها - تسليم المعارضين الذين قتلوا عشرات الآلاف في البلد المجاور رواندا، تم احتلال البلاد في عام 1997 من خلال عملية مشتركة بين جيشَيْ رواندا وأوغندا، وتم تغيير اسم الكونغو إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفي عام 1998 جُرَّ البلد إلى حرب أهلية جديدة شاركت فيها البلدان المجاورة.
ولم تتوقَّف تدخُّلات الدول الأخرى على العديد من الحكومات غير المستقرَّة التي تناوبت على حكم الكونغو.
وفي عام 2006 قامت حرب أهلية جديدة بعد اعتراض الحزب المعارض على نتائج أول انتخابات ديمقراطية، حيث سادت الفوضى سائر أرجاء البلاد.
وبعد انتفاضة الأجزاء الشرقية من البلاد في عام 2010 أُقحِمت الأقليَّة المسلمة في هذه الفوضى، وأصبح قسمٌ منهم هدفًا للحكومة بتهمة التعاون مع الجماعات المسلَّحة المعارِضة، حيث غادروا أرضهم وهاجروا إلى أماكن أخرى.
وقد تضرَّر المدنيون المسلمون الذين لم يكن لهم صلة بالانتفاضة؛ بسبب وجود جماعات مسلَّحة متورِّطة في الأحداث من الأقلية المسلمة مثل الاتحاد الديمقراطي للقوات المسلمة ((ADF-NALU.
أما المسلمون المقيمون في العاصمة كينشاسا وغيرها من مراكز المدن، فلم يتأثَّروا بالحرب، وكانت مراكز المدن تحت حكم السطلة المركزية، وكانت الوجهةَ الرئيسة للهجرة. هذا وإن التوتُّراتِ الداخليةَ للأقلية المسلمة في مناطقَ مختلفةٍ من البلاد ناشئةٌ عن ميولهم القَبَلية والسياسية، وتُعتبَر هذه هي المشكلةَ الرئيسة التي تَحُول بينهم وبين الوَحْدة فيما بينهم.
ورغم أن المسلمين يشكِّلون جزءًا مهمًّا من السكان، فإنهم غير معترَف بهم رسميًّا من قِبَل الدولة أنهم أقليَّة، وإن التمثيل السياسيَّ للمسلمين في البلاد لا يكاد يُذكَر؛ حيث يمثِّل الأقليةَ المسلمة ثلاثة نوَّاب فقط في البرلمان المؤلَّف من (450) مقعدًا، مع أن نسبة المسلمين في البلاد تُوجب أن يكون عدد النوَّاب المسلمين (65-70) نائبًا مسلمًا عند التمثيل العادل مقارنة بعدد السكان، ولا يقتصر هذا على البرلمان فقط؛ فليس للأقلية المسلمة تمثيلٌ في الحكومة أيضًا.
وتُعتبَر جمهورية الكونغو الديمقراطية ثانيَ أكبر بلد صناعي في قارة أفريقيا، وتحوي أهمَّ المناجم في العالم؛ إلا أن ثلث الألماس الذي يتمُّ استخراجه يُهرَّب بطرق غير قانونية إلى خارج البلاد، وهذا الوضع هو أخطر معضلة تواجه الكونغو، وبالنسبة للأقلية المسلمة فتُعتبر الفرص التِّجارية والاقتصادية محدودةً لها، ما يضع أمامهم العقباتِ والعراقيلَ، ويمنعهم من القيام باستثمارات مثل إنشاء وسائل إعلام أو مستشفيات أو جامعات خاصة بهم.